قصص من وسط المعاناة
لم تكن السيدة : تلات ولت اسراقه إلا واحدة من كوكبة النساء المناضلات اللائي واكبن التحركات الأولى للتحضير لتفجير الثورة الأزوادية في منتصف سنة 1990 هي ورفيقاتها هن من كان السند لاخوتهم الرجال في وقت عصيب قل فيه النصير وندرت فيه الشجاعة إلا من الأبطال أمثالها وتسرد تلك القصص بقلب ينطق حزنا وعيونا تملؤها الدموع تأثرا بذكريات تلك الفترة المضيئة من النضال .
تقول :
أتأسف كثيرا على الإهمال والتهميش الذي تعانيه المرأة في مجتمع كلتماشق وخاصة في ما يخص النضال والثورة إذ أنها دائما آخر من يعلم بكل شيء يخص النضال ..
ففي أواخر الثمانينات من القرن الماضي كان هناك تحركات كثيرة وملحوظة جدا من الثوار الأزواديين ولكن كثيرا ما كانوا حريصين جدا على عدم تسريب أي معلومة تخص تلك التحركات وخاصة للنساء ...
ولكني كنت على علم بكل ذلك حيث أنه قبلها بفترة كنت في تمنغست وصلتني رسالة مكتوبة بتيفيناغ من الشهيد بإذن الله : إغمر اغ الخطاب قادمة من ليبيا حيث ذكر لي فيها أنه هو ومن معه من الشباب يتدربون على حمل السلاح في معسكرات ليبيا لاستعادة أرض أزواد من المستعمر وتحريرها ومن هنا عرفت كل شيء قبل الكثيرات وما أكد لي ذلك حين قامت بعض القيادات الثورية بجمع عدد ( 7 ) نساء من قبيلة شمناماس وكنت منهن وذلك لوضعهن في الصورة الحقيقية للأمر وطلب دعمهم وهن : ( المرحومة أفنينة ولت أبلل أخت المرحوم فوكة اغ أبلل ؛ تكستنت ولت محمد ؛ هاس ولت تبهيات ؛ تيكينيت ولت إكناهيت ؛ تيلن ولت كنكن ؛ لآلة ولت ليما ) وكن أولى خلايا النساء الثوريات وعملهن كان التحريض والتعبئة في أوساط النساء .
وكانت أولى الاجتماعات للمناضلين في تمنغست لتحريض الرجال للانضمام للثورة والالتحاق بمعسكرات التدريب في ليبيا تعقد بشكل يومي في بيتي ولكن في ظل تكتم شديد من الحضور ومحاولة منهم لإخفاء الأمر عني حيث أنه كلما دخلت عليهم سكتوا جميعا وتوقفوا عن الحديث حتى أغادر ؛ وفي أحد الأيام غضبت غضبا شديدا وامسكت بأحد المجتمعين بعد انتهاء الاجتماع وهو يهم بالمغادرة وأقسمت له بأنه يجب عليه أن يخبرني بما يحدث وكان ذلك الشخص هو المناضل ( حمادي اغ بابا اغ باجر ) فاضطر هو ورفاقه بأن يخبرني بكل شيء .
وكان هناك منزل لجيران لنا لا يسكنه أحد وكان صاحبه قد ترك مفاتيحه عندي و استعملناه لعقد أولى الاجتماعات للنساء مع المناضلين لشرح كل شيء متعلق بالثورة وطلبوا مني تحريض النساء ممن أثق فيهن وتشكلت الخلايا الأولى للنساء الثوريات من قبيلة شمناماس آنذاك ؛ حيث كان الهدف هو نشر الفكر الثوري في كل قبيلة على حدة و بواسطة مناضليها ؛ واستمر العمل على التحريض حتى التحقت معظم النساء .
هذا يحدث في سنة 1987 حتى أواخر سنة 1989 ؛ وفي أواخر تلك السنة تقررت العودة إلى الوطن وعقدنا اجتماع على مستوى النساء فتقرر أن أذهب أنا والسيدة / تكستنت ولت محمد إلى غاوة لإيصال بعض المعونات المادية التي جمعناها وكذلك تقديم الدعم للثوار عندما تبدأ المعارك ؛ فرتبت وضعي على أن أكون برفقة من يعود من المناضلين إلى الوطن بعدما أخبرني المناضل : الحسيني أغ أغالي اغ ديكنه أنهم بصدد تفجير الثورة في تلك الأيام فذهبت إلى قنصلية مالي في تمنغست وحصلت منها على وثيقة سفر و رافقتهم وكانوا مجموعة كبيرة من الشباب في سيارتين من نوع لاند روفر ووصلنا إلى تينزواتين وتفرق الجمع كل أكمل الرحلة بطريقته ومكثت هناك حوالي ثلاثة أشهر دون أن أحصل على سيارة حتى حصلت أخيرا على سيارة شحن البضائع إلى غاوة وكان بها شخص أو شخصان ممن أعرفهم فذهبت معهم حتى وصلت إلى غاوة وحيدة بعد أن نزل رفاقي في الطريق ؛ فوصلت إلى نقطة التفتيش على مدخل المدينة فقال لي أصحاب الشاحنة عليك بالنزول هنا وبعدما نزلت مع كل حوائجي همس أحدهم في أذني وكان شخص أسود البشرة كبير في السن يتكلم تماشق قال لي : عليك بالحذر فإن المدينة مضطربة وسكانها لا يحبون أن يروا ذوي البشرة البيضاء هذه الأيام ؛ فقلت له أنا لا أعرف أحدا هنا ؛ هل يمكنك أن تدلني على بيت من بيوت شمناماس بالمدينة ؟ فقال لا أعرف إلا منزل السيد / المومن اغ كيو( زعيم قبائل شمناماس ) فقلت له دلني عليه كان ذلك الساعة الثالثة فجرا وكانت تلك الليلة هي الليلة ما بعد القبض على القيادات الثورية للحركة في قاوة ومنهم ( مقدي اغ مسمد ورفاقه ) ؛ فوصلت إلى منزل السيد / المومن وبت ليلتي هناك ؛ وفي الصباح بحثت عن رفيقاتي حتى وجدت من لا زال هناك منهن ( آكلي ولت أبلل ؛ تكستنت ولت محمد وهناكة وغيرهن ) ؛ وكانت المدينة غير آمنة والمخبرين يجوبون المنازل بحثا عن الثوار حتى أمضينا ثمانية أيام بلياليها وكان الثوار طوال تلك الفترة يبحثون عن السلاح والذخيرة الذي قيل لهم أنه مدفون في ضواحي المدينة ولم يعثروا على شيء حيث ساد نوع من الإحباط على كل شيء وخاصة بعد القبض على بعض قيادات الحركة هناك ؛ وبدأ المناضلون بمغادرة المدينة بطرقهم الخاصة فقررت المغادرة مع بعض المناضلين منهم ( المرحوم أفنات اغ محمد ؛ المرحوم سيد عمر اغ اللاست ؛ عيسى اغ إكناهيت ؛ المرحوم إبراهيم آهبو ؛ تنتن اغ اللادي ؛ المرحوم مالك اغ و نسنت ؛ المرحوم بركة اغ الشيخ ؛ أمومن اغ اسراقه ؛ ) وغيرهم ممن لا أتذكرهم وذهبنا إلى مدينة منكا و أمضينا اسبوعا هناك وكان وصولنا متزامن مع وصول قيادات الحركة إليها عبر دولة النيجر وهم ( إياد أغ أغالي ؛ المرحوم وليلا اغ مما ) ؛ وبعدها ذهبنا أنا ورفيقتي آكلي ولت أبلل ؛ وأمومن وتانتن إلى تيجريرت حتى وصلنا قبالة تيجريرت على طريق كيدال فوجدنا بعض السكان وصادف أننا نعرفهم فأعطونا بعيرا لنحمل عليه الماء لإكمال الطريق والتقينا ببعض المناضلين ممن غادروا غاوة مشيا على الأقدام وكانوا ما يقارب 50 شخصا واجتمع الجميع في منطقة ( ولت آوسي ) بالقرب من تيجريرت وبعد انتهاء الاجتماع ذهبنا إلى تيجريرت على ظهور الجمال ومشيا على الأقدام حتى وصل الجميع بخير .
وعند وصول الجميع استقروا في تيجريرت في المخيم الذي أقيم لمن هجرتهم الجزائر ومنحنا أحدهم خيمة ومكثنا فيها ؛ وفي اليوم التالي ذهب المناضل زيني اغ عيسى اغ فندس والمناضل أمومن اغ اسراقه إلى مدينة منكا للتنسيق مع القيادات التي تتواجد هناك ورافقوهم حتى قرية إكديون وعادوا إلينا في تيجريرت وكان الجميع يقول لنا أن خيمتكم هذه أصبحت على كل لسان في دولة مالي كلها ؛ وبعد بضعة أيام وصلت سيارة تابعة للحكومة لاستطلاع المنطقة في وقت مبكر من الصباح وكان غالبية المناضلين مازالوا نيام ومنتشرين عبر المكان وفي الخيمة وكنت أتأهب لإعداد مايفطر به الثوار. وانطلقت السيارة مباشرة إلى منزل شخص كان يقال عنه أنه على تواصل مع الحكومة ويمدهم بالمعلومات و رافقوه ؛ وأثناء ذلك تحرك المناضلون إلى أعلى الوادي للإختفاء عن الأنظار ؛ وعاد بعض المناضلين إلى الخيمة وجهزوا أنفسهم بكل ما يلزم وذهبوا ؛ وأثناء تلك اللحظات شاهدتهم يستولون على تلك السيارة والقبض على المخبر الذي كان برفقتها وانطلقت السيارة إلى نقل المقاتلين لتجميعهم في جبل تيجريرت ؛ وكانت تلك أولى العمليات التي أذنت بانطلاق شرارة الثورة .
وكان من استولى على تلك السيارة :
حمدعمر اغ هندقة ؛ تاغليفت اغ عيسى ؛امومن اغ اسراقه ؛ الحسيني اغ اغالي؛ الجمت اغ حمادي موسى اغ بهوني ؛ هيبكا اغ اللاد ؛ انويلن أغ ماني ؛ فكة اغ بابا ؛ ببو أغ انيدو ؛ سليمان اغ الخطاب ؛ سيدي حم اغ ابيلل .
فقررنا أنا ورفيقاتي أن نأتي ببعض الجمال لنقل التموين إلى أعلى الجبل للمناضلين الذين يتجمعون هناك ؛ وفي الليلة التي تليها تم الهجوم على تيدغمين يوم 28. 6. 1990 وبعدها التحقوا بالقيادات في إكديون و خططوا للهجوم على مدينة منكا في اليوم التالي 29 . 6. 1990 وتم بنجاح وعاد بعض المقاتلين إلى تيجريرت
وفي اليوم التالي ذهبوا للهجوم على قرية تين أسكو و استشهد فيها المناضل : الحسن عيسى وادوسن وجرح المناضل امويق بادي اوفاس وقمنا ببناء ( تاندا ) بالموقع في أعلى الجبل أنا ورفيقاتي للاهتمام بالجرحى وكانوا : موسى اغ اكول جرح في تيدغمين ؛ مولاي اغ محمدين جرح في منكا ؛ امويق بادي جرح في تين اسكو وكنا نقوم نشرف على علاجهم بالأعشاب وما توفر حتى جاء هجوم تايكارين العنيف من قوات مالي الذي أباد بعض العائلات في أسفل الجبل ومنهم عائلتان تتكونان من 12 شخص منهم عائلة لم ينجو منها إلا طفل رضيع سمي فيما بعد ( تالميظت ) وهو حي يرزق إلى الآن بعدما وجده المناضلين ليلتها في حضن جدته التي استشهدت
تم نقل الجرحى إلى الأهالي ولم يبق في الجبل الا المقاتلين حتى صدوا الهجوم وانسحب الجيش .
وبعد ذلك تم نقل جميع الجرحى للعلاج بالجزائر وذهبت أنا ورفيقاتي منا من ذهب إلى الأهالي وانا قلت ساذهب إلى تينزواتين واعود وعندما وصلت إلى هناك سمعت اخبار الاتفاقات ودمج المقاتلين في الجيش المالي فأصبت بنوع من الإحباط ولكن مازال الأمل موجود في أن أبناء أزواد سيحررونه يوما ما .
بهذه القصة المؤثرة لا يخفى على أحد ما قدمته المناضلة / تلات ولت اسراقه ورفيقاتها من تضحيات في سبيل قضية شعب أزواد رغم قلة الإمكانيات وصعوبة المرحلة في منطقة شهدت هيمنة الرجال على كل شيء وبالرغم من كل ذلك لم يتسلل اليأس إلى قلوبهن ولم يعرفن التخاذل وآثرن الصمود ومواجهة كل ما قيل وما يقال من الكثيرين بهمة ومعنويات عالية ؛ ولا زالت هي ومثيلاتها وهن كثر مستعدات للتضحية في أي لحظة في سبيل مبادئهن النبيلة السامية والمتمثلة في طلب الحرية والكرامة فوق الأرض وتحت الشمس .
#لكم_الله_ياأبناء_أزواد
مصدر القصة على لسان المناضلة من خلال ترجمة صوتياتها من تماشق إلا العربية
بقلم: محمد اكلي شكا
تاريخ كتابة القصة
2019/2/4
تاريخ كتابة القصة
2019/2/4